ثلاثة وثمانون عاماً قضاها د. جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب في خدمة القضية الفلسطينية عبر مراحل مفصلية مرت بها.في مساء يوم السبت رحل حبش وطويت معه صفحات حافلة من تاريخ النضال الفلسطيني فاستحق لقب " الحكيم" بعقلية المثقف وبندقية الثائر.
في الأيام الأخيرة من حياته كرّس الطبيب الذي تحول لضمير وحكيم الثورة، وقته في ممارسة عمله النضالي من خلال قلمه عبر توثيق محطات هامة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية في سيرة ذاتية لم ترى النور بعد، تاركاً بقايا مذكراته للأجيال القادمة لتنسج بقية الحكاية.
وقبيل أيام من رحيل الحكيم اعلنت المصادر الطبية في العاصمة الأردنية عمّان عن تدهور الحالة الصحية للدكتور حبش وأدخل على إثرها إلى وحدة العناية الفائقة في احد المشافي الأردنية، ليتم الإعلان مساء / السبت/ عن وفاة المناضل القومي الكبير جورج حبش.
" الحكيم " قائد ومفكر سياسي قومي الهوية فلسطيني الهوى، حمل الوطن قوتا وهواءً وهماً ، أمضي مسيرة نضالية طويلة وشاقة، وأطلق عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات لقب " حكيم الثورة" لما يتمتع به من فكر وقدرة على التحليل العلمي والسياسي، وعطاء كفاحي بطولي، عشق فلسطين الأرض والهوية ورافقته في حله وترحاله. ويعتبر " الحكيم" مدرسة فكرية وثورية... ورسم تاريخ مشرق لفلسطين وقضيتها.
جورج حبش فلسطيني من مواليد عام 1925 في مدينة اللد، يعتبر مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد أبرز الشخصيات الوطنية الفلسطينية يلقب بالحكيم.ولد في اللد عام 1925 لعائلة من الروم الأرثوذوكس وهاجر في حرب 1948 من فلسطين.
درس في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها عام 1951 متخصصا في طب الأطفال، فعمل في العاصمة الأردنية عمّان والمخيمات الفلسطينية، في العام 1952 عمل على تأسيس حركة القوميين العرب التي كان لها دور في نشوء حركات أخرى في الوطن العربي، وظل يعمل في مجال دراسته حتى عام 1957، فر بعدها من الأردن إلى العاصمة السورية دمشق وصدرت بحقه عدّة أحكام بين الأعوام 1958 و 1963. إنتقل بعدها من دمشق إلى بيروت. وفي العام 1961 تزوج من فتاة مقدسية هي هيلدا حبش، وانجبا بنتان.
بعد خروجه من الأردن ركز جهوده نحو القضية الفلسطينية، ولعب دورا في تبني الثورة الفلسطينية للفكر الماركسي اللينيني. في ديسمبر من العام 1967 أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع مصطفى الزبري وآخرون وظل أمينا عاما لها حتى العام 2000، حيث ترك موقعه طوعا او لمرضه ليخلفه فيه مصطفى الزبري المعروف بأبو علي مصطفى. وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مباديء الماركسية اللينينية. وبعد أحداث أيلول الأسود ، إنتقل حبش إلى لبنان كغيره من الشخصيات الفلسطينية في العمل النضالي في تلك الفترة، وخرج منها عام 1982 ليستقر في دمشق.
وصدر البيان السياسي الاول للجبهة في 11/12/1967. لكن مسيرة هذا التشكيل تعثرت نتيجة خلافات سياسية في وجهات النظر ، فانسحبت جبهة التحرير الفلسطينية في تشرين الاول عام 1968 وشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة. وعلي ضوء التطورات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية تخلت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد جبهة وطنية لان منطمة التحرير الفلسطينية جسدت في نظرها إطار هذه الجبهة بخطوطها العريضة.
ان هذا التطور جعل الجبهة الشعبية ، موضوعيا ، تنظيماً سياسياً محدداً ، خصوصاً بعد انصهار تنظيم أبطال العودة انصهاراً كاملاً في صفوف الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب. ومنذ ذلك بدأ العمل لتحويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلي حزب ماركسي - لينينى، ولكن عملية التحول واجهت مشكلات وخلافات داخلية ، حيث رأي عدد من أعضاء الجبهة إستحالة تحويل تنظيم برجوازي صغير إلي حزب ماركسي - لينيني ، وقد أدت تلك الخلافات إلي إنشقاق 'الجبهة الديمقراطية' عن الجبهة الشعبية.
عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني في شباط 1969 ، وصدر عنه وثيقة ' الاستراتيجية السياسية والتنظيمية' التي شكلت محطة هامة في مسيرة الجبهة وتطلعها نحو التحول الي حزب ماركسي - لينيني مقاتل. واقامت الجبهة الشعبية مدرسة لبناء الكادر الحزبي ، واصدرت مجلة الهدف التي ترأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني عضو المكتب السياسي للجبهة.
وانعقد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة في آذار 1972 ، وقد أقر وثيقة 'مهمات المرحلة' و 'النظام الداخلي الجديد' واعطي عملية التحول وبناء الحزب الثورى ، أيديولوجيا وتنظيما سياسيا ، الصدارة ، ايمانا منه بأن قدرة الثورة علي الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم.
وأنشغل د. حبش بعد تخليه الطوعي عن منصب الأمين العام للجبهة الشعبية لأمور ثلاث هي:
1: كتابة تاريخ حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية وتجربته النضالية.
2: العمل لتأسيس مركزاً للدراسات يعنى بقضايا النضال العربي، وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني، ومحرضاً على ضرورة تعمق العقل الفلسطيني والعربي في محاولة الإجابة عن أسباب الهزيمة أمام المشروع الصهيوني، رغم ما تمتلكه الأمة العربية من طاقات بشرية وإمكانيات مادية هائلة.
3: العمل من أجل إقامة نواة جبهة قومية هدفها حشد القوى القومية العربية من أجل التصدي لمسؤولياتها وتوحيد جهودها في هذه الظروف، وفي مقدمة مهامها في هذه المرحلة مواجهة عملية التطبيع مع اسرائيل.